على جناح الخيال بصحبة نخبة من أفضل الروايات العربية في القرن العشرين

بقلم: أبوالحجاج محمد بشير - محرر المحتوى العربي
wave of imagination

 

لكل رواية سحرها الخاص. فما إن تلتهم عينك سطورها الأولى حتى تتسع صفحاتها لتملأ سمعك وبصرك وتحيط بك جدران الكلمات فيتلاشى المكان والزمان لتجد نفسك فجأة على بساط سحري خفي ينقلك في طرفة عين إلى عالم آخر، سكانه شخصيات الرواية وأبطالها. عالم تستمع فيه إلى أفكارهم وخفقات قلوبهم، وترى خلجات مشاعرهم وتتجسد لك حركاتهم وسكناتهم. 

لم تكن الروايات لتصبح ذلك البساط السحري من دون موهبة المؤلف السردية ولغته الوصفية؛ فلا عجب أن يكون وصف النفوس والمشاعر هو الميدان الذي تتبارى فيه الروايات ويتنافس فيه الكتاب. الكاتب البارع هو الذي يخطف القراء من عالمهم وينقلهم لأجواء الرواية وأحداثها حتى يستغرقوا فيها بكل كيانهم كأنهم يرونها رأي العين. 

للسرد الوصفي دور بالغ الأهمية في أي رواية، ولن تجد رواية عربية حديثة ذاع صيتها أو كثرت مبيعاتها أو حصلت على جوائز أو تحولت إلى أعمال سينمائية إلا وهي أعجوبة في فن السرد، ويتجلى ذلك في أعمال الأدباء العرب الكبار مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغسان كنفاني وصنع الله إبراهيم ويوسف إدريس وإبراهيم نصر الله. 

عبر نسيج الرواية السردي الغني بالتفاصيل يرسم القارئ صورة ذهنية للأماكن والأزمنة والشخصيات والأحداث في الرواية، بل يلمسها ويشمها ويتذوقها. يصف السرد الروائي ملامح الحالة المزاجية للشخصيات ويحدد المناخ المخيم على القصة بما يثير مشاعر القارئ من الفرح أو الحزن أو الغضب أو الخوف، وذلك عبر توظيف اللغة التصويرية من الاستعارات والتشبيهات والتجسيد بما يضيف عمقًا للرواية ويجعلها تنبض بالحياة.

السرد الوصفي يشكل ملامح الشخصيات بوصف المظهر الجسدي للأبطال وملامحهم الشكلية وملابسهم وظروفهم وثقافتهم وماضيهم، الأمر الذي يبني صلة وطيدة بين القارئ وشخصيات الرواية، فيتعاطف معهم ويتفهم ضعفهم ودوافعهم وتصرفاتهم وأفعالهم. تصور اللغة الوصفية أفكار الشخصيات ومشاعرها وعواطفها وترسم صورة عميقة ومتعددة الأبعاد مثل النحات الذي يشكل تمثالًا ثلاثي الأبعاد.
 
في الصفحات الأولى من رواية "بين القصرين"، على سبيل المثال، الجزء الأول من الثلاثية التي تربعت على المركز الأول ضمن أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين بحسب  استفتاء الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، يقدم لنا نجيب محفوظ، الأديب العربي الفائز بجائزة نوبل في الأدب عام 1988، وصفًا تفصيليًا يفوق في بلاغته ومفرداته مشاهد السينما والتليفزيون. في السطور التالية نرى شخصية أمينة وهي تستيقظ في منتصف الليل لتنتظر عودة زوجها، ونرسم ملامحها وتنقلنا إلى أجواء البيت المصري في العقود الأولى من القرن العشرين: 

عند منتصف الليل استيقظت، كما اعتادت أن تستيقظ في هذا الوقت من كل ليلة بلا استعانة من منبهٍ أو غيره، ولكن بإيحاء من الرغبة التي تبيت عليها، فتواظب على إيقاظها في دقةٍ وأمانة. وظلَّت لحظات على شك من استيقاظها، فاختلطت عليها رؤى الأحلام وهمسات الإحساس، حتى بادرها القلق الذي يلمُّ بها قبل أن تفتح جفنيها من خشية أن يكون النوم خانها، فهزَّت رأسها هزةً خفيفةً فتحت عينيها على ظلام الحجرة الدامس. لم يكن ثمة علامةٌ تستدل بها على الوقت؛ فالطريق تحت حجرتها لا ينام حتى مطلع الفجر، والأصوات المتقطعة التي تترامى إليها أول الليل من سُمار المقاهي وأصحاب الحوانيت هي التي تترامى عند منتصفه وإلى ما قُبَيل الفجر، فلا دليل تطمئن إليه إلا إحساسها الباطن — كأنه عقرب ساعة واعٍ — وما يشمل البيت من صمتٍ ينمُّ عن أن بعلها لم يطرق بابه بعد، ولم تضرب طرف عصاه على درجات سلمه. [بين القصرين، 1956]

تحتوي المكتبة على عدد كبير من الروايات العربية. وقد انتقينا لك فيما يلي مجموعة من الروايات العربية التي تصحبك على بساط بلاغتها في السرد الوصفي عبر  رحلة إلى أعماق المشاعر الإنسانية وصراعات الحياة والمجتمع، فكأن هذه الروايات عوالم متكاملة موازية لعالمنا الذي نعيشه:

 

إضافة تعليق جديد