فوائد سرد الحكايات للأطفال

بقلم: كوسوم بهاتيا، أخصائي معلومات بمكتبة الأطفال
ترجمة: نبيل غربي، محرر محتوى باللغة العربية
parents reading to their child

 

"يعتبر سرد الحكايات من أقدم أشكال التواصل، وهو قاسم مشترك بين جميع البشر، في جميع الأماكن والأوقات". - رايف كولينز، مؤلف كتاب "قوة القصة: التدريس من خلال سرد الحكايات"

تربطنا الحكايات ببعضنا البعض. فعلى سبيل المثال، يساهم الاشتراك في تجربة الاستماع إلى نفس القصة من قبل أشخاصٍ مختلفين في تقريبهم من بعضهم البعض وتقوية الأواصر بينهم.

ننشئ كبشر سرديات ذاتية لمساعدتنا على فهم العالم. إذ يُعتبر سرد الحكايات جزءًا أساسيًا من طبيعة الإنسان. كما تمكننا القصص من تبادل المعلومات بطريقة تؤدي إلى تحقيق تواصلٍ عاطفي فيما بيننا، وتساعدنا على استيعاب المعلومات وفهم بعضنا البعض، وترسّخ المعلومات في ذاكرتنا. وسرد الحكايات تجربة مشتركة تعزز التعاطف وتوفّر وسيلة لفهم العالم.

نشأ سرد الحكايات مع ظهور القصص المرئية، مثل الرسومات على جدران الكهوف، ثم تحوّل إلى تقاليد شفوية، حيث يتم نقل الحكايات والقصص من جيلٍ إلى آخر عن طريق الكلام المنقول. وتحوّل سرد الحكايات بعد ذلك إلى إنشاء النصوص في شكل روايات، بما في ذلك القصص المخطوطة، والمطبوعة، وعن طريق آلات الكتابة.

وكشفت بحوث حول آثار سرد الحكايات عن وجود جانب إيجابي له. وكشفت مجموعة متزايدة من المؤلفات العلمية أن القراءة هي في الأساس تمرين لحس التعاطف. ويمكن تعزيز ذكاءنا العاطفي من خلال دفعنا نحو وجهات نظر شخصياتٍ مختلفة تمامًا عنّا. وتستطيعون رؤية هذا التأثير فعليًا في موجاتكم الدماغية عندما تطالعون. وتُظهر مجموعة أخرى من البحوث أن المطالعة العميقة، التي نكون فيها منغمسين مع كتابٍ رائع لفترة طويلة، تساعد في بناء قدرتنا على التركيز وفهم الأفكار المعقدة.

أُجرت جامعة مالقة وكلية لندن الجامعية مؤخرًا دراسة نُشرت في المجلة المُحكّمة "Oxford Review of Education"، وتم في هذه الدراسة استخدام بيانات الدراسة الطولية لمتابعة أكثر من 43 ألف طالب تتراوح أعمارهم بين 10 و11 سنة، ثم مرة أخرى عندما بلغت أعمارهم بين 13 و14 عامًا، وتوصّلت الدراسة إلى دليلٍ قويٍ على أن التلاميذ الذين يستمتعون بقراءة الكتب عالية الجودة يوميًا يحصلون على درجات أعلى في الاختبارات المدرسية. وارتفع متوسط درجات التلاميذ الذين يقرؤون الكتب بمقدار 0.22 نقطة بشكل عام، وهو ما يعادل ثلاثة أشهر من النمو الأكاديمي الإضافي في المدرسة الثانوية.

يعتبر سرد الحكايات طريقة تقليدية للتعلّم في مرحلة الطفولة المبكّرة، وهو النشاط الأبسط والأكثر جاذبية للمساعدة في رعاية شخصية أطفالكم، حيث يمكنكم قراءة قصة من كتاب، أو ارتجال قصة جديدة، أو التحدث ببساطة عن تجاربكم الحياتية. ولسرد الحكايات عدد كبير من الفوائد، مثل تعزيز مهارات الاستماع والتفكير والتواصل والثقة، وإذكاء الخيال والإبداع، وشحذ الذاكرة، ويعزز القدرة على التركيز، ويزيد من شغف المعرفة ويشجع على المشاركة النشطة في المواقف الصعبة. كما يساهم سرد الحكايات في تنمية الذكاء العاطفي للمستمع، ويعزز تعاطفه مع الآخرين، ويطوّر قدرته على فهم الاختلافات والثقافات. وبطبيعة الحال، فإن تحسين الكفاءة اللغوية هو أكثر الفوائد جلاءً. وستتحقق هذه الفوائد عندما تكون الحكاية التي يتم سردها مناسبة لأعمار المستمعين، أي أنها بالطول المناسب الذي يكفي لإثارة اهتمامهم والحفاظ عليه، وفي نفس الوقت تفادي شعورهم بالملل. كما تساهم نبرة صوت الراوي، وتعبيرات وجهه، وطريقة غنائه في جذب اهتمام المستمعين وتقوية شغفهم، وبالتالي تزيد الفوائد المرجو تحقيقها. ومع هذا العدد الكبير من الإيجابيات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما السن المناسب لبدء قراءة القصص على الأطفال؟ والجواب هو "في أبكر وقت ممكن".

الجنين

تُظهر العديد من الدراسات البحثية أن قراءة القصص على الأجنّة، وهم في بطون أمهاتهم، تحسّن من تنمية مهارات النطق لديهم، وتعلّمهم الاستجابة بشكل أسرع.

تقول فضيلة دوبويل، طبيبة التنمية السلوكية لدى الأطفال: "توفّر قراءة القصص للجنين، الذي لم يولد بعد، شكلًا إضافيًا من أشكال التحفيز اللغوي الأكثر تنظيماً. ومن المؤكّد أن الجنين يستمع إلى صوت أمه وإلى دقات قلبها، وفي تلك اللحظة تكون مهاراته اللغوية قد بدأت في التطوّر، بما في ذلك إلمامه بأصوات العلّة ( ا، و، ي ). وبالتالي، فإن القراءة للجنين تعزّز مهارته اللغوية بطريقة منظّمة، وتعمّق أيضًا علاقته بأمه".

وتضيف دوبويل: "تساعد قراءة القصص على الجنين بشكلٍ يومي في تطوير روابط متينة مع والديه. وهذه الطريقة تمنح فرصة حميمية للطفل والأم للتواصل مع بعضهما البعض".

الرضّع (0-1 سنة)

يظهر الأطفال الرضّع قدرة مدهشة على الاستجابة عند قراءة قصة على مسامعهم. إن سرد القصة ونبرة الصوت لهما القدرة على تهدئة رضيعٍ يبكي، وتجعله ينام، بالإضافة إلى إضحاكهم ورسم الابتسامة على وجوههم ودفعهم إلى القهقهة.

الأطفال الصغار (1-5 سنوات)

يستجيب الأطفال الصغار بشكل أفضل للقصص. ففي هذه المرحلة من العمر، يمكن استخدام سرد الحكايات كأداة لتعليمهم مفاهيم أساسية. ويكتسب الأطفال الصغار الذين يستمعون لسرد الحكايات قدرة أكبر على التعبير، وتجعلهم اجتماعيون أكثر، وترفع معدل ذكائهم.

طلاب المدارس (فوق 5 سنوات من العمر)

عادةً ما يطوّر الأطفال في هذه الفئة العمرية عادات القراءة الخاصة بهم. وقد لا تتمكنون من إرغامهم على الجلوس معكم لسماع قصة، لذلك، فإنه من الأفضل تشجيعهم على المشاركة في أنشطة سرد الحكايات. ساعدوهم على تمثيل القصص مع أصدقائهم، والتمثيل في مسرحيات قصيرة، وعلى الأداء المسرحي أمام حضورٍ من الكبار، وشجعوهم على استخلاص العبر من القصص التي قرأوها، وتمثيل القصص معهم.

هناك علاقة وثيقة بين استمتاع الطفل بالقراءة وبين سعيه لتنمية رصيده اللغوي ومهارته في مجال الرياضيات حتى سن 16 عامًا. ولكن هل للقراءة دورٌ في إثراء الرصيد اللغوي لدى الكبار؟ الخبر السار هو أن الفوائد لا تتوقف عند نهاية سنوات الدراسة - سواءً قرأنا بانتظام أم لا. في الواقع، لوحظ تطوّر الرصيد اللغوي بشكلٍ كبير لدى الأشخاص بين سن 16 و42 عامًا. وبالتالي، فإن فوائد القراءة لا تتوقف عند مرحلة الطفولة، فاكتساب الأطفال لحب القراءة يعود عليهم بالفائدة مدى حياتهم.

ولجني أكبر قدرٍ من الفوائد المذكورة أعلاه، من المهم عدم إنهاء فرصة التعلم بمجرد سرد الحكايات، ولكن متابعتها مباشرة ببعض الأنشطة المتعلقة بالقصة والمناسبة للعمر، حيث يمكن القيام بأنشطة بسيطة مثل إعادة سرد القصة، وذكر تسلسل الأحداث في القصة، والانتقال إلى أنشطة أكثر تعقيدًا مثل التفكير في نهاية أو بداية بديلة للقصة، أو إعادة كتابة جزء من القصة أو كاملها بعباراتهم الخاصة، أو رسم صور للقصة من وحي خيالهم، أو حتى تعلّم معنى الكلمات الجديدة التي يسمعونها أثناء سرد القصة واستخدامها في جملٍ خاصة بهم.

في الختام، القصص موجودة في كل مكانٍ من حولنا في انتظار من يسردها، ويعيد سردها، وروايتها، وعيشها كتجربة حياتية. وفي مكتبة قطر الوطنية نوفر عددًا كبيرًا من الكتب القصصية المطبوعة والإلكترونية لجميع الأعمار. تفضّلوا بزيارة هذا الرابط للاطلاع على مجموعة كبيرة من المصادر الإلكترونية واستمتعوا بالقراءة مع أبنائكم في منازلكم.

نأمل أن تبدؤوا أو تستمروا في هذه الرحلة الشيّقة من القصص مع أطفالكم أو طلابكم. قراءة ممتعة!

مراجع

 

 

إضافة تعليق جديد